الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.التفسير المأثور: قال السيوطي:{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)}.أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال: هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن.وأخرج عن مقاتل بن حيان في قوله: {ابتغاء مرضاة الله} قال: احتسابًا.وأخرج عن الحسن قال: لا يريدون سمعة ولا رياء.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الشعبي {وتثبيتا من أنفسهم} قال: تصديقًا ويقينًا.وأخرج ابن جرير عن أبي صالح {وتثبيتًا من أنفسهم} قال: يقينًا من عند أنفسهم.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {وتثبيتًا} قال: يتثبتون أين يضعون أموالهم.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن قال: كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت، فإن كان لله أمضى، وإن خالطه شيء من الرياء أمسك.وأخرج ابن المنذر عن قتادة {و تثبيتًا من أنفسهم} قال: النية.وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس أنه كان يقرأها {بربوة} بكسر الراء، والربوة النشز من الأرض.وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: الربوة، الأرض المستوية المرتفعة.وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {جنة بربوة} قال: المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار.وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {أصابها وابل} قال: أصاب الجنة المطر.وأخرج عن عطاء الخراساني قال: الوابل الجود من المطر.وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد {فآتت أكلها ضعفين} قال: أضعفت في ثمرها.وأخرج ابن جرير عن السدي {فآتت أكلها ضعفين} يقول: كما ضعفت ثمر تلك الجنة فكذلك تضاعف لهذا المنفق ضعفين.وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فطل} قال: ندى.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {فطل} قال: طش.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك قال: الطل. الرذاذ من المطر، يعني اللين منه.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن، يقول: ليس لخيره خلف كما ليس لخير هذه الجنة خلف على أي حال كان، إن أصابها وابل وإن أصابها طل.وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله: {فإن لم يصبها وابل فطل} قال: تلك أرض مصر إن أصابها طل زكت، وإن أصابها وابل أضعفت. اهـ..فوائد لغوية: .قال أبو حيان: وقوله: {فطل} جواب للشرط، فيحتاج إلى تقدير بحيث تصير جملة، فقدره المبرد مبتدأ محذوف الخبر لدلالة المعنى عليه، أي: فطل يصيبها، وابتدئ بالنكرة لأنها جاءت في جواب الشرط.وذكر بعضهم أن هذا من مسوّغات جواز الابتداء بالنكرة، ومثله ما جاء في المثل: إن ذهب عير فعير في الرباط.وقدره غير المبرد: خبر مبتدأ محذوف.أي: فالذي يصيبها، أو: فمصيبها طلٌ، وقدره بعضهم فاعلًا، أي فيصيبها طل، وكل هذه التقادير سائغة.والآخر يحتاج فيه إلى حذف الجملة الواقعة جوابًا، وإبقاء معمول لبعضها، لأنه متى دخلت الفاء على المضارع فإنما هو على إضمار مبتدأ، كقوله تعالى: {ومن عاد فينتقم الله منه} أي فهو ينتقم، فكذلك يحتاج إلى هذا التقدير هنا أي: فهي، أي: الجنة يصيبها طل، وأما في التقديرين السابقين فلا يحتاج إلاَّ إلى حذف أحد جزئي الجملة، ونظير ما في الآية قوله:اهـ. .قال ابن عاشور: والتثبيت تحقيق الشيء وترسيخه، وهو تمثيل يجوز أن يكون لكبح النفس عن التشكّك والتردّد، أي أنّهم يمنعون أنفسهم من التردّد في الإنفاق في وجوه البر ولا يتْركون مجالًا لخواطر الشحّ، وهذا من قولهم ثبت قدمه أي لم يتردّد ولم ينكص، فإنّ إراضة النفس على فعل ما يشُق عليها لها أثر في رسوخ الأعمال حتى تعتاد الفضائل وتصير لها ديدنًا.وإنفاق المال من أعظم ما ترسخ به الطاعة في النفس لأنّ المال ليس أمرًا هينًا على النفس، وتكون من على هذا الوجه للتبعيض، لكنه تبعيض مجازي باعتبار الأحوال، أي تثبيتًا لبعض أحوال النفس.وموقع من هذه في الكلام يدل على الاستنزال والاقتصاد في تعلّق الفعل، بحَيْث لا يطلب تسلّط الفعل على جميع ذات المفعول بل يُكتفى ببعض المفعول، والمقصود الترغيب في تحصيل الفعل والاستدراج إلى تحصيله، وظاهر كلام الكشاف يقتضي أنّه جعل التبعيض فيها حقيقيًا.ويجوز أن يكون تثبيتًا تمثيلًا للتصديق أي تصديقًا لوعد الله وإخلاصًا في الدين ليخالف حال المنافقين؛ فإنّ امتثال الأحكام الشاقة لا يكون إلاّ عن تصديق للآمر بها، أي يدُلُّون على تثبيت من أنفسهم.ومِنْ على هذا الوجه ابتدائية، أي تصديقًا صادرًا من أنفسهم.ويجيء على الوجه الأول في تفسير التثبيت معنى أخلاقي جليل أشار إليه الفخر، وهو ما تقرر في الحكمة الخُلُقية أن تكرّر الأفعال هو الذي يوجب حصول الملكة الفاضلة في النفس، بحيث تنساق عقب حصولها إلى الكمالات باختيارها، وبلا كلفة ولا ضجر.فالإيمان يأمر بالصدقة وأفعال البر، والذي يأتي تلك المأمورات يثبِّت نفسه بأخلاق الإيمان، وعلى هذا الوجه تصير الآية تحْريضًا على تكرير الإنفاق. اهـ..بحث علمى في الإعجاز العلمي للقرآن في الآية الكريمة: بقلم الأستاذ الدكتور زغلول النجار- حفظه الله.في تعبير القرآن الكريم بكلمة ربوة وهي الأرض الخصبة المرتفعة إشارة إلي ما كشفه العلم الحديث لأنه بارتفاعها تبعد عن المياه الجوفية ليغوص المجموع الجذري في التربة من غير ماء يضره، ويتضاعف عدد الشعيرات الماصة لأكبر كمية من الغذاء للسيقان والمجموع الخضري فيتضاعف المحصول، وللوابل من الأمطار فائدة فوق التغذية أنه يذيب بعض المواد التي لا تحتاج إليها النباتات، ويغسلها من التربة لأن وجودها مما يعطل نمو النباتات، كما يغسلها من الآفات.ثم قال:.من الدلالات العلمية للآية الكريمة: من الأمور المشاهدة أن سطح الأرض ليس تام الاستواء، فهناك القمم السامقة للسلاسل الجبلية، وهناك السفوح الهابطة، لتلك السلاسل حتي تصل إلي السهول المنبسطة والممتدة إلي ما فوق مستوي سطح البحر بقليل.وبين القمم السامقة والسهول المنبسطة نجد الروابي أو الربي جمع ربوة أو رابية، والتلال جمع تل، والأكام جمع أكمة وهي النتوءات الأرضية المختلفة دون الربوة، ثم الهضاب جمع هضبة أو النجود جمع نجد، ثم السهول ومن بعد السهول يأتي كل من المنخفضات الأرضية علي اليابسة، والمنخفضات البحرية المغمورة بماء البحار والمحيطات، ويرجع السبب في تباين تضاريس سطح الأرض إلي اختلاف التركيب الكيميائي والمعدني للصخور المكونة لها، وبالتالي إلي اختلاف كثافة تلك الصخور، وذلك لأن كتل الغلاف الصخري للأرض تطفو فوق نطاق من الصخور شبه المنصهرة يعرف باسم نطاق الضعف الأرضي يحكمها في ذلك قانون الطفو: تماما كما تطفو جبال الجليد في ماء المحيطات.ويصل ارتفاع أعلي نقطة علي سطح الأرض وهي قمة جبل إفرست في سلسلة جبال الهمالايا إلي 8848 مترا فوق مستوي سطح البحر، بينما يقدر منسوب أخفض نقطة علي اليابسة وهي حوض البحر الميت بحوالي الأربعمائة متر تحت مستوي سطح البحر، ويقدر متوسط منسوب سطح اليابسة بحوالي 840 مترا فوق مستوي سطح البحر.وفي المقابل يصل أكثر أغوار المحيطات عمقا وهو غور ماريانا في قاع المحيط الهادي بالقرب من جزر الفلبين إلي أكثر قليلا من (11) كيلو مترا، بينما يصل متوسط أعماق المحيطات إلي حوالي الأربعة كيلو مترات 3729 إلي 4500متر تحت مستوي سطح البحر.وهذا التباين في المناسيب وفر عددا هائلا من البيئات التي يتناسب كل منها مع أنواع محددة من صور الحياة، ومن ذلك أن أشجار الفاكهة والكستناء وأشجار الثمار بصفة عامة تجود في الهضاب والنجود والروابي دون الألف متر فوق مستوي سطح البحر، بينما يتوقف نمو الحبوب ودرنات البطاطس عند حوالي الألفي متر فوق مستوي سطح البحر 2160 مترا تقريبا ويصل الحد الأعلي لنمو الغابات إلي حوالي 2660 مترا فوق مستوي سطح البحر.وتحديد بيئة الروابي للجنة المضروب بها المثل في الآية الكريمة التي نحن بصددها تحديد معجز لأن هذه البيئة هي أفضل البيئات المعروفة لنا لنمو أشجار الفاكهة ولنمو كل من أشجار الثمار الأخري كالزيتون واللوزيات والصنوبريات وغيرها وذلك لأن بيئة الروابي تتميز بلطف مناخها، ووفرة مائها، وزيادة فرص تعرضها لأشعة الشمس، ولأمطار السماء، ولرطوبة الجو، ولحركة الرياح، ولتجدد الهواء حولها، وكذلك فهي أنسب البيئات لنمو الأشجار بصفة عامة، ولنمو أشجار الثمار بصفة خاصة.فالروابي من أشكال سطح الأرض المستوية والمرتفعة فوق مستوي سطح البحر ارتفاعا متوسطا يتراوح بين الثلاثمائة والستمائة متر. لأنها دون الجبل وفوق التل، وعلي ذلك فإن ماء المطر لايغرقها مهما انهمر بغزارة لاندفاعه بالجاذبية إلي المستويات الأقل في منسوبها من الربوة في المنطقة المحيطة بها وذلك بعد تشبع تربتها وصخورها بالقدر اللازم من الماء المرطب لها والمخزون فيها. وضبط هذا المخزون المائي يساعد النبات علي القيام بجميع أنشطته الحيوية بكفاءة دون إغراق أو جفاف، وذلك لأن الجفاف يقضي علي النبات، كما أن الإغراق بالماء، أو الزيادة في مخزون الصخور والتربة منه يؤدي إلي تعفن جذوره وتعطنها وتحللها مما يؤدي كذلك إلي القضاء عليه.وعند هطول المطر علي الربوة فإن كلا من تربتها وصخورها، والنباتات النامية عليها يأخذ كفايته من الماء بينما يفيض الزائد عن تلك الكفاية إلي المناسيب الأخفض حتي يصل إلي الأودية والسهول المحيطة بالربوة. ويساعد انضباط كمية المخزون المائي في تربة وصخور الربوة علي امتداد المجموع الجذري للنباتات بصفة عامة، وللأشجار منها بصفة خاصة إلي أبعاد أعمق في كل من التربة والصخور مما يضاعف من كمية العناصر والمركبات التي يتاح لجذور النبات الوصول إليها وامتصاصها مع عصارته الغذائية التي تستخلصها تلك الجذور من الأرض، كما يساعد علي زيادة تثبيت النباتات بالأرض ومقاومته لشدة هبوب الرياح، وغيرها من المتغيرات البيئية.ومن مميزات بيئة الروابي أنها إذا نزلت بها الأمطار هاطلة تضاعف إنتاجها وإذا تضاءلت الرطوبة في الجو من حولها إلي الرذاذ أو الندي فقط فإنها تعطي ثمارها وافرة، لأن نباتات الربوة يمكنها الاستفادة بماء المطر مهما قل وبماء الندي الذي يتكثف من حولها بمعدلات أعلي من تكثفة في السهول أو في بطون الأودية المغلقة خاصة في المناطق الجافة.وعلي ذلك فإن إثمار كل من أشجار الفاكهة، وغيرها من أشجار الثمار الأخري كالزيتون واللوزيات والصنوبريات يجود بشكل ملحوظ في الروابي المرتفعة فوق مستوي سطح البحر عنها في السهول المنبسطة والأودية المغلقة، وذلك لأنها إذا أصابها المطر الغزير افادها ولم يضرها لسرعة انحسار مائه عنها بعد ريها ريا كافيا فتتحسن وتثمر ثمرا مضاعفا وإن لم يصبها هذا الوابل من المطر الغزير فإن الرذاذ الخفيف أو الندي المتكثف حولها يمكن أن يوفيها حاجتها من الماء فتستمر في الحياة وتؤتي أكلها بإذن الله.هذا وقد شبهت الآية الكريمة المؤمنين الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، ابتغاء مرضاته، وابتغاء التثبيت من أنفسهم مهما تكن إمكاناتهم المادية بالجنة من الأشجار المثمرة النامية علي الربوة المرتفعة تحت ظروف بيئية طيبة وفرت لها كل أسباب النماء والعطاء فأثمرت وأعطت بسخاء شديد إذا نزل عليها ماء المطر، وبسخاء أيضا إذا قل عليها المطر، فعطاؤها لايتوقف ولا ينقطع تحت مختلف الظروف وكذلك المؤمنون الذين ينطلقون من منطلق الإيمان الجازم بأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين فيبذلون في سبيله سواء كثرت إمكاناتهم أو قلت، وذلك طلبا لمرضاته، وتثبيتا من أنفسهم لأن من وسائل تربية النفس الإنسانية إخراج المال في سبيل الله، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى: {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير} [البقرة: 265].وفي هذه الآية الكريمة إشارة واضحة إلي تفضيل زراعة أشجار الثمار في أراضي الروابي بصفة عامة، وهي أراض مسطحة مرتفعة، دون الجبل، وفوق التل يتراوح ارتفاعها بين ثلاثمائة وستمائة من الأمتار فوق مستوي سطح البحر، وهذه حقيقة علمية أثبتتها التجارب علي مدي عقود متتالية، وورودها في كتاب الله الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة علي نبي أمي صلى الله عليه وسلم في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين وكانت تعيش في صحراء جرداء قاحلة، لاتعرف الجنات ولا تعرف الأشجار المثمرة غير نخيل التمر وبعض الأعناب إلا في أماكن محدودة جدا منها، ومن هنا يأتي هذا الوصف القرآني شاهدا للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم.ولكونه الرسالة الخاتمة فقد تعهد ربنا تبارك وتعالى بحفظه بنفس لغة وحيه اللغة العربية فحفظه كلمة كلمة، وحرفا حرفا، من أية زيادة أو نقص، أو تبديل أو تغيير علي مدي يزيد علي الأربعة عشر قرنا وإلي أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها وذلك تحقيقا للوعد الإلهي الذي قال تعالى فيه: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9].فالحمد لله علي نعمة القرآن، والحمد لله علي نعمة الإسلام، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والحمد لله في الآخرة والأولي والصلاة والسلام علي خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلي آله وصحبه، ومن تبع هداه، ودعا بدعوته إلي يوم الدين. اهـ.
|